سورة الغاشية - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الغاشية)


        


{لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)}
{لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِى مِن جُوعٍ} أما في محل جر صفة لضريع والمعنى أن طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس وإنما هو شوك والشوك مما تراعاه الإبل وتتولع به وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه ومنفعتنا الغذاء منتفيتان عنه وهما إماطة الجوع وإفادة القوة والسمن في البدن وإن شئت فقل إنه من شيء مكروه يضرع عنده ويتضرع إلى الله تعالى ويطلب منه سبحانه الخلاص عنه وليس فيه منفعتنا الغذاء أصلًا وأما في محل رفع صفة لطعام المقدر إذ التقدير ليس لهم طعام إلا طعام من ضريع والمعنى قريب مما ذكر ولا يجوز كونه صفة للمذكور إذ لا يدل حينئذ على أن طعامهم منحصر في الضريع بل يدل على أن ما لا يسمن ولا يغني من طعامهم منحصر فيه ويفسد المعنى وأما لا محل له من الإعراب على أنه مستأنلف والأول أظهر ويروى أن كفار قريش قالوا لما سمعوا صدر الآية إن الضريع لتسمن عليه إبلنا فنزلت {لاَّ يُسْمِنُ} إلخ قيل فلا يخلوا أما أن يتذكبوا ويتعنتوا بذلك وهو الظاهر فيرد قولهم بنفي السمن والشبع وأما أن يصدقوا فيكون المعنى أن طعامهم من ضريع ليس من جنس ضريعكم إنما هو غير مسمن ولا مغن من جوع وعلى الأول هو صفة مؤكدة ردًا لما زعموه لا كاشفة إذ لا خفاء وعلى الثاني هو صفة مخصصة وأيًا ما كان فتنكير الجوع للتحقير أي لا يغنى من جوع ما وتأخير نفي الإغناء منه لمراعاة الفواصل والتوسل به إلى التصريح بنفي كلا الأمرين إذ لو قدم لما احتيج إلى ذكر نفي الاسمان ضرورة استلزام نفي الإغناء عن الجوع إياه ولذلك كرر لا لتأكيد النفي وفي «الإرشاد» أن نفي الأمرين عنه ليس على أن لهم استعدادًا للشبع والسمن إلا أنه لا يفيد شيئًا منهما بل على أن لا استعداد من جهتهم ولا إفادة من جهتهم وتحقيق ذلك أن جوعهم وعطشهم ليسا من قبيل ما هو المعهود منهما في هذه النشأة من حالة عارضة للإنسان عند استعداء الطبيعة لبدل ما يتحلل من البدن مشوقة له إلى المطعوم والمشروب بحيث يلتذ بهما عند الأكل والشرب ويستغنى بهما عن غيرهما عند استقرارهما في المعدة ويستفيد منهما قوة وسمنًا عند انهضامهما بل جوعهم عبارة عن اضطرارهم عند اضطرام النار في أحشائهم إلى ادخال شيء كثيف يملؤها ويخرج ما فيها من اللهب وأما أن يكون لهم شوق إلى مطعوم ما والتذاذ به عند الأكل واستغناء به عن الغير واستفادة قوة فهيهات وكذا عطشهم عبارة عن اضطرارهم عند أكل الضريع والتهابه في بطونهم إلى شيء مائع بارد ليطفؤه من غير أن يكون لهم التذاذ بشربه أو استفادة قوة به في الجملة وهو المعنى بما روى أنه تعالى يسلط عليهم الجوع بحيث يضطرون إلى أكل الضريع فإذا أكلوه سلط عليهم العطش فاضطروا إلى شرب الحميم فيشوي وجوههم ويقطع أمعاءهم أعاذنا الله تعالى وسائر المسلمين من ذلك انتهى وهو خلاف الظاهر ومثله لا يقال عن الرأي وليس له فيما وقفنا عليه مستند يؤول لأجله الظواهر فالحق أن لهم جوعًا وعطشًا وشهوة إلى الطعام والشراب كما أن للجائع والعطشان في الدنيا شهوة إليهما لكنهما لهم هناك قد بلغا الغاية بتسليط الله تعالى عز وجل بدون سبب عادي على نحو ما في الدنيا فيضطرون لذلك إلى الضريع والحميم كما يضطر من أفرط فيه الجوع والعطش في الدنيا إلى تناول الكريه البشع من المطعوم والمشروب لكنهم لا ينتفعون بما يتناولونه بل يزدادون به عذابًا فوق العذاب نسأل الله تعالى العفو والعافية نه وكرمه وقوله تعالى:


{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8)}
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ} شروع في رواية حديث أهل الجنة وتقديم حكاية أهل النار لأنه أدخل في تويل الغاشية وتفخيم حديثها ولأن حكاية حال أهل الجنة بعد حكاية سوء أهل النار مما يزيد المحي حسنًا وبهجة والكلام في إعرابه نظير ما تقدم وإنما لم تعطف هذه الجملة على تلك الجملة إيذانًا بكمال تباين مضونيهما والناعمة إما من النعومة وكنى بها عن البهجة وحسن المنظر أي وجوه يومئذ ذات بهج وحسن كقوله تعالى: {تَعْرِفُ فِى لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سيئاتهم ولادخلناهم جنات النعيم} [المطففين: 24] أي وجوه يومئذ متنعمة.


{لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9)}
{لِّسَعْيِهَا} أي لعملها الذي عملته في دار الدنيا وهو متعلق بقوله تعالى: {رَّاضِيَةٍ} والتقديم للاعتناء مع رعاية الفاصلة واللام ليست للتعليل بل مثلها في رضيت بكذا فكأنه قيل {رَّاضِيَةٍ} بسعيها وذكر بعض المحققين أنها مقوية لتعدي الوصف بنفسه ولذا قال سفيان في ذلك كما أخرجه عنه ابن أبي حاتم رضيت عملها ورضاها به كناية أو مجاز عن أنه محمود العاقبة مجازي عليه أعظم الجزاء وأحسنه وقيل في الكلام مضاف مقدر أي لثواب سعيها راضية وجوز كون اللام للتعليل أي لأجل سعيها في طاعة الله تعالى راضية حيث أوتيت ما أوتيت من الخير وليس بذاك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8